↔️
بين رفقائي في المدرسة الحربية واحد يدعونه "شورتي" لأنه قصير القامة، لا تفارق الابتسامة وجهه ولايكل له لسان. ومن الغريب أن السامع لا يمل من كلامه بخلاف كل من أعرفهم من الثرثارين. ففي خفة ولو خالطتها بذاءة. وبذاءته لا تخدش الأذن ولا تمتعض منها النفس. وإذا شتم ففي شتيمته عفة، وإن مزح ففي مزاجه نكتة. وإن قام بحركة ففي حركته عياقة. فكيفما انقلب ومهما قال، يستدعي استحسان الجميع، فيقهقهون تارة ويصفقون أخرى. رأيت في حياتي كثيرا من الناس، غير أتي، مثل "شورتي"، لم أر. هو قبيح المنظر، أفطس الأنف، واسع الشدق، غليظ الشفتين، نافز الوجنتين، ممتقع البشرة، شعرة طويل قاس منتصب على رأسه، كأنه مسلات المنفذ، وكأن بين الشعرة والشعرة ثأرا، فلا تلتصق الواحدة بالأخرى، أذناه صغيرتان لا تكادان تظهران من تحت الشعر، وكذلك عيناه. لكن بهما جاذبية غريبة تنسل من بين أهدابهما الكثيفة. ولست أدري ما الذي يحبه إلى رفقائه، أقبح منظره أم الجاذبية في عينيه؟! فلا شك أن الجميع يحبونه. إذا غاب سكتوا أو انصرفوا إلى لعب الورق أو الزهر. ومتى حضر التفوا حواليه كالحلقة وارتفع ضحكهم وازداد هرجهم ومرجهم. كلهم يتودد إليه واسمه على ألسنة الجميع فلا تسمع إلا من ينادي: "شورتي"! فلولاك لكنا نموت ضجرا. "شورتي"! قص علينا هذه القصة أو تلك. "شورتي"! ما رأيك في هذه المسألة أو في ذلك الأمر؟
فهو فيلسوفهم وشاعرهم ومهرجهم في وقت واحد. ولقد سمعته يبدي آراءه في أمور كثيرة من السخيف المضحك إلى الجليل المبكي...فسامعوه يقهقهون حتى الغصة، أما فضحكتة لا تتجاوز الابتسامة.